والكتاب موسوعة علمية فريدة طبعت في تسعة أجزاء من القطع فلوسكاب كل جزء يقع في حوالي ( 400 ) صفحة .
العقد الفريد ليس الوحيد في بابه :
العقد الفريد ليس الكتاب الوحيد في بابه في التراث العربي الإسلامي الأدبي ، فقد ألف في هذا الباب : البيان والتبيين ، والكامل والأمالي ، وعيون الأخبار والعقد ونحو ذلك كثير ولكن على الرغم من أنها كتب مختارات فإن لكل كتاب طعماً يدل على ذوق صانعه ، كما قال المحققون في مقدمة الكتاب ، ولوناً يدل على شخصية مصوره ، هذا الجاحظ يدل كتابه على استغلاله لتجاربه وظروفه الاجتماعية ، وعلى ما للمتكلمين من خصائص في تفتيق الموضوع وتشقيق الكلام ، وهذا المبرد أديب نحوي متحفظ في مجونه عربي لا غير في ثقافته يتأثر ذوقه إلى حد كبير بفروق النحاة والعلماء أكثر مما يتأثر به ذوق الأدباء , وهذا أبو علي القالي تغلب عليه اللغة أكثر مما يغلب عليه النحو، فهو مؤلف البارع في اللغة وشارح المعلقات ، ومؤلف في الإبل ونتاجها والخيل ومشياتها .... وهذا ابن قتيبة واسع الثقافة في آداب العرب والعجم ، يخلط الجد بالمزح ولكن في تحفظ علماء الدين ، ينقل أكثر مما ينق د، ويروي أكثر مما يبدع شأنه في ذلك شأن المحدثين .
فكرة العقد الفريد :
لقد تصور المؤلف كتابه عقداً كما سماه مؤلفاً من خمس وعشرين جوهرة كريمة اثنتا عشرة في جانب واثنتا عشرة أخرى في جانب ولكن لم يسم إلا الاثنتي عشرة الأولى فلؤلؤة وفريدة، وزبرجدة وجمانه ، ومرجانة وياقوتة ، وجوهرة وزمرة ، ودرة ويتيمة ، وعسجدة ومجنبة أما الاثنتا عشرة التي في الجانب الآخر فهي هذه الأسماء مكررة ، فاللؤلؤة الثانية ، والفريدة الثانية ، وهكذا وفي الوسط، وهي الثالثة عشرة جوهرة تسمى الواسطة .
تفرد العقد الفريد :
العقد الفريد كما رأينا سابقاً منظوم من جواهر كريمة فيه من كل صنف جوهرتان إلا الواسطة ، وهو خيال شاعر لطيف لا أعرف أحداً سبق إليه ، ولا أظن أنه وقف طويلاً عند اختيار اسم الجوهرة لتشاكل الموضوع ، فاللؤلؤة الأولى في السلطان ، واللؤلؤة الثانية في الفكاهات والملح ، والفريدة الأولى في الحروب ، والثانية في الطعام والشراب ... الخ.
منهج التأليف للعقد :
أوضح المؤلف منهجه في التأليف في مقدمة الكتاب فذكر أنه :
(1) تخيره من متخير جواهر الأدب ومحصول جوامع البيان .
(2) وأنه ليس له إلا تأليف الاختيار وحسن الاختيار ، وفرش لدرر كل كتاب .
(3) وأنه تطلب نظائر الكلام وأشكال المعاني فقرن كل جنس منها إلى جنسه ، وجعل كل جنس باباً على عدته .
(4) وأنه عمد في اختياره من جملة الأخبار وفنون الآثار إلى أشرفها جوهراً ، وأظهرها رونقاً ، وألطفها معنى ، وأجزلها لفظاً ، وأحسنها ديباجة ، وأكثرها حلاوة وطلاوة .
(5) وأنه حذف الأسانيد طلباً للتخفيف والإيجاز .
(6) وأنه رأى الكتب قبله قاصرة فجعل كتابه هذا كافياً جامعاً لأكثر المعاني التي تجري على أفواه الخاصة والعامة .
(7) وأنه أتبع ذلك بشواهد من الشعر في تجانس الأخبار، وقرن بها غرائب شعره .
نموذج من محتوى الكتاب :
من آداب الجهاد والمجاهدين في الإسلام :
جاء في العقد الفريد كتاب الفريدة في الحرب ...
كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ومن معه من الأجناد :
أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال , فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدونا، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددهم ليس كعدوهم، ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا واعلموا أن عليكم في مسيرتكم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ، ولا تقولوا أن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم قد سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل، لما عملوا بمساخط الله، كفار المجوس ) فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً (. واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم. اسأل الله لنا ولكم , وترفق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيراً يتعبهم، ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم، حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم، فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع ( أي: الخيل )
وأقم بمن معك في كل جمعة يوماً وليلة، حتى تكون لهم راحة يحيون فيها انفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم، ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه ولا يرزأ أحداً من أهلها شيئاً، فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها فما صبروا لكم فتولوهم جبراً , ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح , وإذا وطئت أرض العدو فأزك العيون بينك وبينهم ولا يخف عليك أمرهم وليكن عندك من العرب أو أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه، فإن الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه، والغاش عين عليك وليس عيناً لك، وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم، فتقطع السرايا إمدادهم ومرافقهم وتتبع الطلائع عوراتهم، وأنتق للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك، وتخير لهم سوابق الخيل، فإن لقوا عدواً كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك، واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد ولا تخص بها أحداً بهوى، فيضيع من رأيك وأمرك أكثر مما حابيت به أهل خاصتك، ولا تبعثن طليعة ولا سرية في وجه تتخوف عليها فيه غلبة، أو ضيعة ونكاية فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك. وطلائعك وسراياك واجمع إليك مكيدتك وقوتك، ثم لا تعاجلهم المناجزة ما لم يستكرهك قتال، حتى تبصر عورة عدوك ومقاتله، وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها بها، فتصنع بعدوك كصنعه بك، ثم إذك أحراسك على عسكرك، وتيقظ من البيات جهدك، ولا تأت بأسير له عقد إلا ضربت عنقه، لترهب بذلك عدو الله وعدوك والله ولي أمرك ومن معك، وولي النصر لكم على عدوكم والله المستعان.
( ولكننا نحذر من بعض الأخبار التاريخية المكذوبة على الصحابة في هذا الكتاب)
نماذج من شعر ابن عبد ربه
قال في الغزل:
يا لؤلؤا يـسبي الـعقول أنيقا ورشا بتقطيع القلـوب رقيقا
ما إن رأيت و لا سمعت بمثله درا يـعود من الحـياء عقيقا
وإذا نظرت إلى محاسن وجهه أبصرت وجهك في سناه غريقا
يا من تقطع خصـره من رقة ما بال قلبك لا يكون رقيقا ؟وقال في موقف الوداع:
و دعتنـي بـزورة و أعتناق ثم نادت متى يكون التلاقي !
وبدت لي فأشرق الصبح منها بين تلك الجيوب و الأطواق
يا سقيم الجفون من غير سقم بين عينيك مصرع العشاق
إن يوم الـفراق أفظـع يوم ليتني مت قبل يوم الفراق !
وقال في وصف رمح وسيف:
بكـل رديـي كـأن سـنانـه شـهاب بدا في ظلمة الليل ساطع
تقاصرت الآجال في طـول متنه و عادت بـه الآمال وهي فـجائع
وذى شطب تقضي المنايا لحكمه وليس لما تقضـي المـنية دافـع
يسلل أرواح الكـماة أنسـلاله ويرتاع عنه الموت و الموت رائع
وآخر شعر قاله هو:
بليت و أبلتنـي الليالي بكرها وصرفان للأيـام معتـوران
و مالي لا أبلى لسبعين حـجة وعشر أتت من بعدها سنتان
و لست أبالي من تباريح علتي إذا كان عقلي باقيا ولـساني
وقال أيضا: فدع الإسراف مقتصدا، وأذكر في اليوم غدا، وأمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم حاجتك.
أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين. وتطمع - وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والارملة- أن يوجب لك ثواب المتصدقين. وإنما المرء مجزي بما أسلف، وقادم على ما قدم. والسلام.
التحميل من هنا